|| التّباكي بعيدٌ كل البُعد عن الرّياء ||
حثَّ أئمتنا الأطهار عليهم السلام في روايات مختلفة على "التباكي" في مصيبة الإمام الحسين عليه السلام، والتباكي هو [التظاهر] بالبكاء في حالة تعسّر ذلك على المؤمن، فتجده يتصنّع حُزنه ويُمثل البكاء بصراخه وصياحه تأسّيًا على مصاب حبيب قلبه وإمامه الحسين عليه السلام، فهل هذه الظاهرة تعتبر رياءً؟ وما معني الرياء؟ وهل يعقل أن يشجع أئمتنا شيعتهم على الرياء؟
الرياء في اللغة هو "أن يقوم الشخص بعمل ما ليثني عليه الناس لا ابتغاء لمرضاة الله" (راجع كتاب مصطلحات فقهية)، فأي عمل تعبّدي يُقصد به رضا الناس لا رضا الخالق عز وجل هو رياء، مثلاً أن تُصلي أمامَ الناس في المسجد ليقولوا عنك أن فلانًا قصدَ المسجد! ولكن هل هذا ينطبق على من يتباكى في مصيبة أبي عبدالله عليه السلام؟ وإذا افترضنا جدلاً ذلك، فلماذا حثَّ عليه الإمام الصادق روحي له الفِداء على ذلك؟
قال الصادق ع: " إن لم تكُن بكَ بكاء [فَتَباك]"، وأيضًا حينَ قال: "إني أتباكى في الدعاء وليس لي بكاء (الروايتين في الكافي 2/483 و وسائل الشيعة 7/7)، وقال أيضا:"... ومن أنشد في الحسين ع شعرًا [فَتباكـى] فله الجَنّة. (راجع كامل الزيارات ص112) وغيرها الكثير من الروايات التي تحثُّ على التباكي في حال تعسر البكاء، وحثُّ أئمتنا على التباكي دليلٌ كافٍ على أن التباكي بحد ذاته عبادة، وليست أي عبادة! بل العامل بهذه العبادة يستحقُّ الجنة كما في الرواية السابقة.
ونجد الكثير من الروايات تشير إلى عظمة البكاء وفضل الدمعة وخصوصيتها على المولى الحبيب الحسين ع، فقد قال الصادق ع: "وما من باكٍ يبكيه -أي الحسين ع- إلا وقد وَصَلَ فاطمة ع وأسعدها عليه" (كامل الزيارات وبحار الأنوار 45/206)، فنجد المحبين قد حركتهم الغِيرة في هذا النص، فيحاولون قدرَ الإمكان التوجه نحو البكاء لإسعاد مولاتهم الزهراء ع روحي لها الفداء ولوصلها، فإذا تعسر عليهم البكاء تجدهم يتباكون "لأجلها" ويحاولون إظهار حزنهم وتأسّيهم على مصاب ابنها الحسين ع، فيمثلون البكاء وتعتلي أصواتهم بالصراخ لبضعة النبي ص، وهذا هو [الإخلاص] بعينه لأن هذا العمل هو "لله" عز وجل حيث أن المُتباكي يقصد بعمله إظهار حُزنه وتفجّعه لمصيبة حبيبه ومولاه وإمامه الحسين بن علي عليه السلام وهذه الممارسة هي "عبادة" كما أمر بها الله عز وجل عباده بممارستها على لسان نبيّه وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.
فكيف يكون رياءً إذا كان إسعادًا للزهراء ع!؟ والتباكي في أغلب الأحيان يكون سببًا لتأثر المؤمنين بمصيبة الحسين ع، فحين تعلو الأصوات بالصراخ والبكاء يضجّ المجلس وتنعصر القلوب وقد تكونُ سببًا في هيجان أحد المؤمنين فيكون المتباكي قد أبكى الذي بجانبه وهذا هو المطلوب من أئمتنا الأطهار أن نبكي ونُبكي الناس كما قال المولى الرضا ع: من ذُكّر بمصابنا فبكى [وأبكى] لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون. (بحار الأنوار 44/278) فهنا يحصل على ثواب التباكي وهو به مأجور وثواب إبكاء الناس أيضًا.
بقلم الذليل #أحمد_صديق
No comments:
Post a Comment