نَعيٌ بِمَسْمَعي وجافٌّ مَدْمَعي
دموعنا الجارية على الحسين ع هي السفينة التي تطفو بنا فوقَ بحور المعاصي فهي المطهرة لأرواحنا الملوّثة بالذنوب وعلاجٌ لأرواحنا المريضة، فعن الإمام الرضا ع: "فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام" #وسائل_الشيعة ، وهذه الدموع هي سبيلُ نجاتنا وثبات عقيدتنا وحُسن عاقبتنا فعن صادق الآل جعفر بن محمد ع: "من دمعت عيناه فينا ..... بوأه الله تعالى بها في الجنة حقبا" #وسائل_الشيعة ، فخسارتنا لهذه الدموع هي خسارة لدنيانا قبل آخرتنا وفوزنا بها هو فوزٌ في الدارين، لذلك نجدُ العشّاق بعيونٍ باكيةٍ ليلاً ونهارًا على حبيبهم الحسين ع، ولكن قد يواجه البعض مشكلةً في البكاء في المجالس على الرغم من تألمهم للمصاب وعلمهم بالثواب! فما الذي يحبس دموعهم في أعينهم؟
قال سيدنا النبي ص لحظة وفاة ابنه ابراهيم ع:"العين تدمع والقلب يحزن" ومن هنا يتبين ارتباط القلب بالعين فبحُزن الأول تدمع الثانية، فالعين لا تزال جارية مادام القلب محزون، إلا إذا حُجب القلب عن العين بحاجب "القسوة" الذي يجمّد مشاعر الحُزن ويحبسها في القلب ويمنع وصولها إلى العين، وهنا يوضح مولانا أمير المؤمنين ع كيف يُبنى هذا الحاجز وما هي أساساته حين يقول:"ما جفّت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب" #علل_الشرائع ، فالسبب الرئيسي لقساوة القلب هي "الذنوب" والخطايا التي تجرّد العبد من الخشوع والتوجّه وتسلبه الروحانية، فالعبد الغارق ببحرِ ذنوبه مربوطٌ بسلاسلَ من "حب الدنيا" تجرّهُ إلى قعر تلكَ البحار لأن حبّه لدنياه هي سبب خطاياه وهذا ما وضحّه الإمام الصادق ع في قوله:"رأس كل خطيئةٍ حب الدنيا" #الكافي ، وقد قال الله عز وجل في حديثٍ قدسي:"فإنّ المعلّقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة" #تحف_العقول ، فالسؤال: كيفَ ينقذ هذا العبد نفسه من الهلاك في هذا البحر؟
في البداية عليه أن يحارب حبّهُ لدنياه لكي يغلب "رأس الخطايا"، ولا يحصل ذلك إلا "بالحب البديل" الذي يأخذ مكان هذا الحب الدنيوي الفاسد، وخصوصًا أن حب الله وحب الدنيا لا يجتمعان كما صرّح أمير المؤمنين ع حين يقول:"كما أَنّ الشمس والليل لا يجتمعان، كذلك حبّ اللَّه وحبّ الدنيا لا يجتمعان"#مستدرك_الوسائل ، وهل هناك حُبٌّ بديلٌ أعظم وأشرف وأقوى من حب الحسين عليه السلام؟ يكفي أن من أحب هذا الإمام العظيم أحبه الله بعظمته! فهذا الحب هو المرشّح الأول والأخير للتغلب على حب الدنيا الضعيف الذي هو في حقيقة الأمر مجردُ سراب و وهم و وعود كاذبة وشهواتٍ مؤقتة، فكلما قوي حب الحسين عليه السلام في قلب العبد ضعف حبه للدنيا استنادًا على معادلة الأمير عليه السلام في الرواية السابقة، ومن هنا تبدأ رحلة العلاج.
إن حُبَّ الإمام الحسين عليه السلام هو ركيزة الإيمان وبسببها تنهال الخيرات والرعايات الإلهية على العبد فقد قال الإمام الصادق ع:"من أراد الله به الخير قذف في قلبه حب الحسين ع وحب زيارته" #كامل_الزيارات ، وحبه للحسين ع هو الحصن الذي سيبعده عن الذنوب والمعاصي.
"أجمل" خطوة هي رحلة العلاج، حيثُ أن المهمة في هذه المرحلة ستكون في تليين القلب بعد قساوته وإحيائه بعد مماته ليطمئن ويستقر، فكيف يُحيى هذا القلب ويلين ومن ثم يستقر؟
لكي تسهل عملية علاجه، ولا يقتصر الذكر على القرآن الكريم بل إن أحاديث أهل البيت عليهم السلام ومناقبهم وفضائلهم وحكمهم ومواعظهم بل حتى أسماءهم تعتبر من الأذكار حيث أنه الإمام جعفر بن محمد الصادق ع:"إنا إذا ذُكرنا ذكر الله" #بحار_الأنوار ، فعندما نذكرهم نذكر الله عز وجل ونكونُ بذلك تحت ظل "الذكر" وقد قال الإمام محمد الباقر ع:"إن حديثنا يُحيي القلوب" #بحار_الأنوار ، وهكذا يستقر القلب ويهدأ ليطمئن ويحيى، لتعودَ لنا دموعنا الغالية على حبيبنا الإمام الحسين عليه السلام التي ستجمعنا مع أهل البيت عليهم في الآخرة وهذا ما ضمنهُ لنا الإمام الضامن الرضا ع في قوله:" من تذكر مصابنا فبكى لما ارتُكبَ منا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة" #آمالي_الصدوق.
وفي الختام أسأل من الله عز وجل أن لا يحرمنا من البكاء على الحسين عليه السلام ولا يسلب منا الحرقة على مصابه، ويوفقنا لخدمته ويرزقنا الإخلاص في خدمته ويبعدنا عن النفاق والرياء فيها، وأسأله أن يرزقنا زيارته في الدنيا وشفاته في الآخره ويحشرنا معه بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين.
بقلم العبد الذليل #أحمد_صديق
No comments:
Post a Comment