Tuesday, 24 November 2015

| من قوانينِ الحب - الاختلاء | - مقالة

| من قوانينِ الحب - الاختلاء |

الحُب هو القلب النابض للإنسانية، وهو الأساس للممارسات الدينية أو الدنيوية، بل المُحرك الرئيسي لجوارح الإنسان الذي يحفزّه للمسير نحو أهدافه، ونجاحه في تحقيقِ هذه الأهداف يعتمد على درجة الحُب، فكلما زادت نسبته كانت النتائج أفضل، كما هو الحال أيضًا في اختيار قلب المرء لإنسانٍ يمتلك المؤهلات التي تجعلهُ المرشح الأول ليأسر هذا القلب فتجده يتمنّى دائمًا الاختلاء بصاحب هذا القلب ليَعيشَ الحُلم الذي طالما تمنّاه.

الاختلاء بالحبيب هو أحد قوانين الحُب ويمكن تعريفه بأنه "الحاجة الملحة للانفراد بالحبيب ليشعرَ الحبيبُ بأنه المسيطر الوحيد على المحبوب"، فـ[الأنانية]  هي المهيمنة على مشاعره الأخرى التي تجعله في احتياجٍ مستمر للاحتفاظ بالحبيب له وحده فيرفضُ نهائيًّا أيّ دخيلٍ سيشاركهُ هذا العشق، ويحطّم كل الجسور التي يظن بأنها قد تكونُ معبرًا لأي تهديدٍ "لخاصيّة" العلاقة التي تربطه بهذا الحبيب، وكأنهُ يقبل المعيشة الأبدية في كهفٍ مظلمٍ مع حبيبه لأنه يؤمنُ بأنه هو النور المضيء في حياته والمغذّي الوحيد لروحه في هذه الدنيا [المزعجة]، التي لا يجدُ فيها الا التهديدات والمخاطر التي تزعزع أساسَات قلبه التي يجبُ أن يحافظ عليها؛ فما قلبه إلا "عرشٌ" يتربّعُ عليه معشوقه.

ومن الإستحالة أن يتوفر مرشّح "مخلوق" يمتلك جميع المؤهلات التي تستطيع أَسْرَ القلب والتحكّم بجميع ذرّاته غيرَ الخالق عز وجل، فهو صانعُ وخالقُ الحب، ونحنُ ندّعي بأننا "المحبّون" لله عز وجل، ولكن السؤال: هل ينطبق علينا فعلاً قانونُ الاختلاء؟ هل نحنُ ممّن ننتظر تلكِ اللحظة التي نختلي فيها مع الله عز وجل في الليل لنكون بين يدي رحمته وعظمته؟ هل نسعى دائمًا إلى تطوير العلاقة "الخاصة" التي تربطنا به جل جلاله؟ هل نقطع كل حبلٍ يحاول سلبَ هذا الحُب منا؟ هل نختاره -جلّت أسماءه- إن كانَ يجب علينا أن نحبَّ واحدًا من اثنين؟ هل نحطّم جسر "إبليس" الذي يهدّد ارتباطنا به؟ أم في الحقيقة أننا نحن من نزوّد اللعين بالذنوب ونموّله بالنفاق والرياء والكذب!! ليبني جسرَ الضلال المؤدية للجحيم؟
لن يعرفَ أجوبة هذه الأسئلة إلا المُحبُّ نفسه، فهو أعرف الناس بقلبه ومدى قربها أو بعدها من ربّه، فهنيئًا له إن كان يتحدى نفسه ويعدها بأنه سيبقى وفيًّا بحبّه لله عز وجل.

وفي الختام أسألُ من الله عز وجل أن يجعلنا من المحبّين المخلصين في عبادتنا، المطيعين له السائرين على خُطى رسوله صلى الله عليه وآله، المصدّقين لحبَهم "بفعلهم" وباختلائهم به سبحانه وتعالى.


بقلم العبد الذليل || #أحمد_صديق
١٠ صفر ١٤٣٧هـ

Tuesday, 17 November 2015

شبيهة فاطمة - السيدة رقية عليها السلام

من هي شبيهة فاطمة؟



  • اسمها ونسبها
هي السيدة الجليلة فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
أي أنها حفيدةٌ للنبي صلى الله عليه وآله حيثُ أن جدّتها هي سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وآله.
وكان لمولانا وإمامنا الحسين عليه السلام أكثر من بنت وكلهن كانوا "فواطم" وكان إمامنا الحسين عليه السلام يناديهم بأسماء أخرى فكانت سيدتنا الجليلة "فاطمة الصغرى" عليها السلام هي "رقية".
ويجدر بالذكر أنها (بنت إمام) و(أخت إمام) و(عمة إمام)، فهي بنت الإمام الحسين عليه السلام وأخت الإمام علي زين العابدين عليه السلام وعمّة الإمام محمد الباقر عليه السلام، وبالتالي فهي عمّةٌ لباقي الأئمة إلى آخرهم وهو الحجة بن الحسن المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.


  • نبذة عن حياتها
عاشت مولاتنا فاطمة الصغرى "رقية" عليها السلام في كنف أبيها الحسين عليه السلام فكانت مدللّته التي تعوّدت على فرش المصلّى لأبيها وقتَ صلاته، وقضت بداية حياتها في مدينة جدّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وللأسف الشديد أن كل حياتها كانت "بداية" فمسيرة حياتها كلها كانت ثلاث إلى أربع سنواتٍ فقط!!
وللأسف الشديد لقد ظلمها التاريخ كثيرًا لأنه لم يركّز على هذه الشخصية العظيمة التي زلزلت ببكائها عروش الظالمين الذين حاربوا أبيها الإمام الحسين عليه السلام، وقد يكون السبب في ذلك هو إتلاف الكتب التاريخية وغيرها من الكتب الشيعية التي تم الإلقاء بها في نهر الفرات حتى أصبح لون النهر "أسود" من الحبر كما ينقل المؤرخون، وأيضًا عندما قام الأيوبي بحرق المكتبة الفاطمية في مصر والتي كانت تضم آلاف المصادر الشيعية.


  • في كربلاء
كانت السيدة رقية عليها السلام مع قافلة الحسين عليه السلام في كربلاء، وهذا يعني أنها شهدت مصرع أصحاب الحسين وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، ورأت أباها وحيدًا فريدًا ينادي "ألا من ناصرٍ ينصرني"؟، وكانت مع ركب السبايا برفقة المخدرات من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله بجانبها الأيتام والأرامل وعلى رأسهم مولاتي العقيلة زينب الكبرى روحي لها الفداء.


  • لماذا "شبيهة فاطمة"؟
"شبيهة فاطمة"لقبٌ لمولاتي رقية بنت الإمام الحسين عليه السلام اعتادَ أهل المجالس والهيئات على تداوله، وقد يسأل الكثير لماذا شبيهةٌ لفاطمة؟ ولماذا فاطمة بالتحديد؟ والجواب هو التشابه بين مصيبتها ومصيبة جدّتها الزهراء صلوات الله وسلامه عليها كما ينقل على منابرنا.
فعلى سبيل المثال "النار" التي أحرقت باب دار الزهراء عليها السلام، نجدها تحرق عباءة السيدة رقية عليها السلام في ظهر عاشوراء في القضية المشهورة المنقولة عن حميد بن مسلم حينما كان يلاحق البنت المدللة وهي مذعورة بعد حرق الخيام فسألته: ياشيخ، هل أنتَ معنا أم علينا؟ فأجاب: لا لكم ولا عليكم إنما أريد إطفاء النار.. فسألتهُ: أما قرأتَ القرآن؟ فأجاب: بلا.. فقالت له: أما قرأت "فأما اليتيم فلا تقهر"؟ فأجاب: بلا.. فقالت له: أنا يتيمة الحُسين!!
 وأما الشبه الآخر فهو "القرط"، فكما أنّ للزهراء عليها السلام قرطًا منثورًا بسبب "سطرةٍ" تلقّتها من ذاك هجم عليها، فكذلك مولاتي رقية عليها السلام في ظهر عاشوراء عندما كان الأعداء يسلبون ما يستطيعون من آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله، فأتوا إلى مولاتي رقية عليها السلام ليسلبوا منها قرطها لتسيل دمائها روحي لها الفداء.
 وأما السبب الأخير فهو "تعليق" الإمام الحسين عليه السلام حين رأى ابنته فاطمة الصغرى عليها السلام فإذا به يقول "إنها تشبه أمي فاطمة"، ولهذا نجد المؤمنين يلهجون بـ"شبيهة فاطمة" إشارةً إلى مولاتي رقية بنت الحسين عليها السلام.


  • لقد ماتت رقية!!
قال المحدث القمي في كتابه (نفس المهموم):
وفي كامل البهائي نقلاً من كتاب الحاوية أن نساء أهل بيت النبوة أخفين على الأطفال شهادة آبائهم ويقلن لهم إن آباءكم قد سافروا إلى كذا وكذا، وكان الحال على ذلك المنوال حتى أمر يزيد بأن يدخلن داره وكان للحسين عليه السلام بنت صغيرة لها أربع سنين قامت ليلة من منامها وقال: أين أبي الحسين؟ فإني رأيته الساعة في المنام مضطربًا شديدًا.
فلما سمع النسوة ذلك بكين وبكى معهن سائر الأطفال وارتفع العويل، فانتبه يزيد من نومه وقال: ما الخبر؟ ففصحوا عن الواقعة وقصوها عليه، فأمر بأن يذهبوا برأس أبيها إليها!!
  فأتوا بالرأس الشريف وجعلوه في حجرها، فقالت: ماهذا؟ قالوا: رأس أبيك.
ففزعت الصبيّة وصاحت فمرضت وتوفيت في أيامها بالشام.
وروى هذا الخبر في بعض التأليفات بوجه أبسط وفيه: فجاؤوا بالرأس الشريف إليها مغطى بمنديل دبيقي، فوُضع بين يديها وكشف الغطاء عنها، فقالت: ما هذا الرأس؟ قالوا: إنه رأس أبيك!
فرفعته من الطست، "حاضنةً له" وهي تقول:
يا أبتاه من ذا الذي خضبكَ بدمائك؟
يا أبتاه من ذا الذي قطع وريدك؟
يا أبتاه من ذا الذي أيتمني على صغر سني؟
يا أبتاه من بقي بعدك نرجوه؟
يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر؟
ثم إنها وضعت فمها على فمه الشريف وبكت بكاءً شديدًا حتى غشي عليها! 
فلما حركوها فإذا هي قد فارقت روحها الدنيا!!
فلما رأى أهل البيت ما جرى عليها أعلوا بالبكاء واستجدوا العزاء وكل من حضر من أهل دمشق فلم ير ذلك اليوم إلا باكٍ وباكية.
  •  خاتمة
عظم الله لكَ الأجر يا حبيبي ياحسين بهذا المصاب الجلل، وعظم الله لكَ الأجر ياحبيبي وإمامَ زماني الحجة بن الحسن المهدي عجل الله تعالى فرجكَ الشريف، متى يا مولاي تظهر لنا بطلّتك البهيّة لتملأ الأرض قسطًا وعدلاً بعد أن مُلئت ظلمًا وجورًا لتأخذ بثأر الحسين عليه السلام وابنته المدللة "شبيهة فاطمة" مولاتي رقية عليها السلام.
يارب رقية، بحق رقية، اشفِ صدرَ رقية، بظهور الحجة. 


بقلم العبد الذليل لساداته : #أحمد_صديق
4 صفر 1437 هـ

Sunday, 15 November 2015

كعبة المجانين - قبة السيدة رقية عليها السلام - تقرير مصور


كعبة المجانين 
قبة السيدة رقية بنت الحسين عليهما السلام


  • لقاءُ مجنونٍ بمولاتُه


وأخيرًا بعدَ فراقٍ دامَ خمسَ سنين من الألم عُدت إلى أزقّةِ الخربة لألتقي بسيدتي وأميرتي رقية بنت الحسين عليهما السلام، حيثُ كانت الدموع و"الدهشة" هما المعبران عن شعوري في تلك اللحظات، التي جمعت بين العشق والجنون والألم والحرقة والفرحة في آنٍ واحد.

من هُنا بدأتُ ومن هنا أعلنتُ توبتي بين يديها وبين يدي مولاتي العقيلة زينب الكبرى عليها السلام، فكانَت أميرتي رقية روحي لها الفداء هي نقطة التحول التي غيّرت مجرى حياتي من ظلامِ الشهوات الكاذبة والملذات الدنيوية الخادعة إلى عشقٍ حقيقي لأبيها الحسين عليها السلام وجنونٍ بها لا يعقله إلا من فقد عقله الدنيوي، فكل الفضل يرجع إلى هذه اليتيمة العظيمة التي أعطتني ما لا أستحق و وفّقتني لتوفيقاتٍ متتالية ونعمٍ لا أُحصيها.



هكذا بقيتُ جالسًا كالعبدِ الذليل المملوك أمامَ هيبةِ "الثلاث سنين"، مدهوشًا من توفيقي الذي أبقاني في حيرة أمام كرم ورحمةِ رب العالمين سبحانه وتعالى، الذي يجزي تقصيري وخذلاني في خدمتي لحبيبه النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وذبيحه مولاي وحبيبي وإمامي الحسين عليه السلام بتوفيقٍ مثل هذا التوفيق، ويرزقني بعد جرأتي عليه وعصياني له بمثل هذه النعمة الكبرى، فبقيَ اللسانُ عاجزًا عن الكلام وكانَت الدموع هي المتحدّثة والمعبرة والمسيطرة على الموقف في تلك اللحظة.

فعلاً لقد أحسنت ضيافتنا هذه السيدة العظيمة عليها السلام، ومسحت على رؤوسًا وكأننا نحنُ اليتاما المحتاجِين للحنان الإلهي من يديها روحي لها الفداء، فبعدَ البكاء والنحيب جلسنا في صحنها المبارك لنتحدّثَ عن "الرّاحة النفسية" التي فوجئنا بها، فهي اليتيمة التي فجعوها برأس أبيها وماتت عليه وهي تبكي!! فهل يُعقل أن نبتسم في بقعةٍ حصلت بها هذه المصيبة عظيمة؟ نعم،، هكذا هي مدللة الحسين عليه السلام، تمسحُ على قلبِ من يبكي عليها وتقضي جميع حوائجه فقد ورثت "الرحمة" من أبيها وهو "رحمةُ الله الواسعة".

وهكذا كانت نظراتُ الوداع الكئيبة التي تحمل الأمل للقاءٍ آخر قريب جدًّا...


  • وأمّا العقيلة زينب الكبرى عليها السلام...


قد يتساؤل البعض لماذا ركّزتُ حديثي على أميرتي رقية بنت الحسين عليهما السلام، وأهملتَ الحديث عن عمّتها العقيلة سيدتي ومولاتي زينب الكبري بنت أمير المؤمنين عليه السلام، والجواب هو أنّي إلى الآن لا أعلم ماذا أقول؟

وبقيتُ أسأل نفسي هل حقًّا أصبحت العمة زينب عليها السلام غريبة مرّةً أخرى؟ هل أصبحَ قبرها مهجورًا؟ هل تفتقد الزوّار وتشتاق إلى أصوات بكائهم ونعيهم كما هو حالُ أئمة البقيع عليهم السلام ومولاتي أم البنين عليها السلام في المدينة المنورة؟

عندما التقيتُ بمولاتي العقيلة عليها السلام قبل خمسة سنوات، كانَ صحنها مكتضًّا بالزوار حيثُ أنها كانت ليالي أربعين الإمام الحسين عليه السلام، وكانَ العزاءُ عظيمًا والزوار يبكون في كل زوايا صحنها المبارك، أما الآن لا نشعر بالحياة بجانبِ حرمها الشريف، فلذلك لا أملك حروفًا تعبّر عن الألم الذي أشعرُ به عندما كنتُ أرى قبتها.

وخطابي فقط للمولى صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف، عجّل يا مولاي يبن الحسن فقد طال الانتظار، عجّل وانتقم من أعداء أمك الزهراء عليها السلام، عجّل وخذ بيدنا لنطهّر هذه الأرض من جور المعتدين، عجّل فقد ضاقت صدورنا يا يوسف الزهراء.

اللهم عجّل لوليك واجعلنا من أنصاره وخدامه وأعوانه والذابين عنه والمطيعين له والمستشهين بين يديه و وفقنا لخدمته وخدمه آبائه الطاهرين وامنن علينا برضاه يا أرحمَ الرحمين، وصلِّ اللهم على محمدٍ وآلهِ الطيبين الطاهرين.



بقلم العبد الذليل | #أحمدـصديق

Thursday, 12 November 2015

ما معنى الجزع؟ وهل لطم الخد من مصاديق الجزع؟ - بحث


بحث لطم الخد

كثيرًا ما تتردد على مسامعنا كلمة [الجزع] في مجالس الحسين، وخصوصًا أثناء تأديتنا للشعائر الحسينية، فما هو المعنى الحقيقي لهذه الكلمة؟ وهل الجزع مذموم أو محمود؟ وهل لطم الخد يعتبر من مصاديق الجزع؟ 


الجزع في اللغة  "نقيض الصبر"، أي وصول المرء إلى مرحلة شديدة من الحزن تجعله يفقد صبره فيتصرف تصرفات غير طبيعية، فعن أمير المؤمنين عليه السلام : "الجزع عند البلاء تمام المحنة"(بحار الأنوار 64/235)، وقد ذم أئمتنا الأطهار ع الجزع "بصورة عامة" في نصوص كثيرة، فقد قال الإمام الصادق عليه السلام: "اتقوا الله واصبروا، فإنه من لم يصبر أهلكه الجزع"(بحار الأنوار 68/59)، فالجزع من الصفات المذمومة التي لا يجب أن يتصف بها المؤمن، ولكن... هل ينطبق هذا القول على المولى الحسين عليه السلام؟ أم أن قضيته قضية استثنائية!؟


ها هو مولانا الصادق عليه السلام يجيب على هذا التساؤل في قوله: "كل الجزع والبكاء مكروه، سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام" (الأمالي 1/162)، وهنا يزيل الإمام الصادق عليه السلام الذم في الجزع في حال ارتباطه بالإمام الحسين عليه السلام، ولا يكتفي بإزالة الذم بل يشجع الجزع عليه بقوله بأن الجازع [مأجور] في الحديث: "إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي ع، [فإنه فيه مأجور]"(كامل الزيارات)، فبالجزع على الإمام الحسين ع يؤجر المرء ويثاب وهذا دليل على أن الجزع على الإمام الحسين ع "عبادة"، وقد قال الصادق عليه السلام: "نفس المهموم لظلمنا تسبيح، وهمه لنا عبادة" (بحار الأنوار 44/278)،
وهنا نطرح التساؤل: هل لطم الخد من مصاديق الجزع؟


عند قراءة النص القادم نجد الإمام الباقر عليه السلام يجيبُ ويشرح مظاهر الجزع، فيقول: " أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل و[لطم الوجه] والصدر وجز الشعر" (بحار الأنوار 79/89)، وقد لطمَت الهاشميات المخدرات الخدود على الحسين ع؛ ففي اللهوف: لما نظر النسوة إلى القتلى، صِحنَ و[ضربنَ وجوههن] (اللهوف ص130)، وفي الزيارة الناحية المقدسة المنقولة عن صاحب الزمان عج: "فبرزن من الخدور......على الخدود لاطمات" (نفس المهموم)،ومن هنا نستطيع أن نثبت أن لطم الخد من مصاديق الجزع. 


وفي الختام أسأل من الله عز وجل أن يجعلنا من الجازعين على الإمام الحسين عليه السلام والمواسين لإمامنا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.


بقلم الذليل #أحمدـصديق

Wednesday, 11 November 2015

التّباكي بعيدٌ كل البُعد عن الرّياء - بحث

|| التّباكي بعيدٌ كل البُعد عن الرّياء ||

حثَّ أئمتنا الأطهار عليهم السلام في روايات مختلفة على "التباكي" في مصيبة الإمام الحسين عليه السلام، والتباكي هو [التظاهر] بالبكاء في حالة تعسّر ذلك على المؤمن، فتجده يتصنّع حُزنه ويُمثل البكاء بصراخه وصياحه تأسّيًا على مصاب حبيب قلبه وإمامه الحسين عليه السلام، فهل هذه الظاهرة تعتبر رياءً؟ وما معني الرياء؟ وهل يعقل أن يشجع أئمتنا شيعتهم على الرياء؟


الرياء في اللغة هو "أن يقوم الشخص بعمل ما ليثني عليه الناس لا ابتغاء لمرضاة الله" (راجع كتاب مصطلحات فقهية)، فأي عمل تعبّدي يُقصد به رضا الناس لا رضا الخالق عز وجل هو رياء، مثلاً أن تُصلي أمامَ الناس في المسجد ليقولوا عنك أن فلانًا قصدَ المسجد! ولكن هل هذا ينطبق على من يتباكى في مصيبة أبي عبدالله عليه السلام؟ وإذا افترضنا جدلاً ذلك، فلماذا حثَّ عليه الإمام الصادق روحي له الفِداء على ذلك؟

 قال الصادق ع: " إن لم تكُن بكَ بكاء [فَتَباك]"، وأيضًا حينَ قال: "إني أتباكى في الدعاء وليس لي بكاء (الروايتين في الكافي 2/483 و وسائل الشيعة 7/7)، وقال أيضا:"... ومن أنشد في الحسين ع شعرًا [فَتباكـى] فله الجَنّة. (راجع كامل الزيارات ص112) وغيرها الكثير من الروايات التي تحثُّ على التباكي في حال تعسر البكاء، وحثُّ أئمتنا على التباكي دليلٌ كافٍ على أن التباكي بحد ذاته عبادة، وليست أي عبادة! بل العامل بهذه العبادة يستحقُّ الجنة كما في الرواية السابقة.

ونجد الكثير من الروايات تشير إلى عظمة البكاء وفضل الدمعة وخصوصيتها على المولى الحبيب الحسين ع، فقد قال الصادق ع: "وما من باكٍ يبكيه -أي الحسين ع- إلا وقد وَصَلَ فاطمة ع وأسعدها عليه" (كامل الزيارات وبحار الأنوار 45/206)، فنجد المحبين قد حركتهم الغِيرة في هذا النص، فيحاولون قدرَ الإمكان التوجه نحو البكاء لإسعاد مولاتهم الزهراء ع روحي لها الفداء ولوصلها، فإذا تعسر عليهم البكاء تجدهم يتباكون "لأجلها" ويحاولون إظهار حزنهم وتأسّيهم على مصاب ابنها الحسين ع، فيمثلون البكاء وتعتلي أصواتهم بالصراخ لبضعة النبي ص، وهذا هو [الإخلاص] بعينه لأن هذا العمل هو "لله" عز وجل حيث أن المُتباكي يقصد بعمله إظهار حُزنه وتفجّعه لمصيبة حبيبه ومولاه وإمامه الحسين بن علي عليه السلام وهذه الممارسة هي "عبادة" كما أمر بها الله عز وجل عباده بممارستها على لسان نبيّه وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.

فكيف يكون رياءً إذا كان إسعادًا للزهراء ع!؟ والتباكي في أغلب الأحيان يكون سببًا لتأثر المؤمنين بمصيبة الحسين ع، فحين تعلو الأصوات بالصراخ والبكاء يضجّ المجلس وتنعصر القلوب وقد تكونُ سببًا في هيجان أحد المؤمنين فيكون المتباكي قد أبكى الذي بجانبه وهذا هو المطلوب من أئمتنا الأطهار أن نبكي ونُبكي الناس كما قال المولى الرضا ع: من ذُكّر بمصابنا فبكى [وأبكى] لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون. (بحار الأنوار 44/278) فهنا يحصل على ثواب التباكي وهو به مأجور وثواب إبكاء الناس أيضًا.

بقلم الذليل #أحمد_صديق

نَعيٌ بِمَسْمَعي وجافٌّ مَدْمَعي - مشكلة + أسباب + علاج

نَعيٌ بِمَسْمَعي وجافٌّ مَدْمَعي
دموعنا الجارية على الحسين ع هي السفينة التي تطفو بنا فوقَ بحور المعاصي فهي المطهرة لأرواحنا الملوّثة بالذنوب وعلاجٌ لأرواحنا المريضة، فعن الإمام الرضا ع: "فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام" #وسائل_الشيعة ، وهذه الدموع هي سبيلُ نجاتنا وثبات عقيدتنا وحُسن عاقبتنا فعن صادق الآل جعفر بن محمد ع: "من دمعت عيناه فينا ..... بوأه الله تعالى بها في الجنة حقبا" #وسائل_الشيعة ، فخسارتنا لهذه الدموع هي خسارة لدنيانا قبل آخرتنا وفوزنا بها هو فوزٌ في الدارين، لذلك نجدُ العشّاق بعيونٍ باكيةٍ ليلاً ونهارًا على حبيبهم الحسين ع، ولكن قد يواجه البعض مشكلةً في البكاء في المجالس على الرغم من تألمهم للمصاب وعلمهم بالثواب! فما الذي يحبس دموعهم في أعينهم؟
قال سيدنا النبي ص لحظة وفاة ابنه ابراهيم ع:"العين تدمع والقلب يحزن" ومن هنا يتبين ارتباط القلب بالعين فبحُزن الأول تدمع الثانية، فالعين لا تزال جارية مادام القلب محزون، إلا إذا حُجب القلب عن العين بحاجب "القسوة" الذي يجمّد مشاعر الحُزن ويحبسها في القلب ويمنع وصولها إلى العين، وهنا يوضح مولانا أمير المؤمنين ع كيف يُبنى هذا الحاجز وما هي أساساته حين يقول:"ما جفّت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب" #علل_الشرائع ، فالسبب الرئيسي لقساوة القلب هي "الذنوب" والخطايا التي تجرّد العبد من الخشوع والتوجّه وتسلبه الروحانية، فالعبد الغارق ببحرِ ذنوبه مربوطٌ بسلاسلَ من "حب الدنيا" تجرّهُ إلى قعر تلكَ البحار لأن حبّه لدنياه هي سبب خطاياه وهذا ما وضحّه الإمام الصادق ع في قوله:"رأس كل خطيئةٍ حب الدنيا" #الكافي ، وقد قال الله عز وجل في حديثٍ قدسي:"فإنّ المعلّقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة" #تحف_العقول ، فالسؤال: كيفَ ينقذ هذا العبد نفسه من الهلاك في هذا البحر؟
في البداية عليه أن يحارب حبّهُ لدنياه لكي يغلب "رأس الخطايا"، ولا يحصل ذلك إلا "بالحب البديل" الذي يأخذ مكان هذا الحب الدنيوي الفاسد، وخصوصًا أن حب الله وحب الدنيا لا يجتمعان كما صرّح أمير المؤمنين ع حين يقول:"كما أَنّ الشمس والليل لا يجتمعان، كذلك حبّ اللَّه وحبّ الدنيا لا يجتمعان"#مستدرك_الوسائل ، وهل هناك حُبٌّ بديلٌ أعظم وأشرف وأقوى من حب الحسين عليه السلام؟ يكفي أن من أحب هذا الإمام العظيم أحبه الله بعظمته! فهذا الحب هو المرشّح الأول والأخير للتغلب على حب الدنيا الضعيف الذي هو في حقيقة الأمر مجردُ سراب و وهم و وعود كاذبة وشهواتٍ مؤقتة، فكلما قوي حب الحسين عليه السلام في قلب العبد ضعف حبه للدنيا استنادًا على معادلة الأمير عليه السلام في الرواية السابقة، ومن هنا تبدأ رحلة العلاج.
إن حُبَّ الإمام الحسين عليه السلام هو ركيزة الإيمان وبسببها تنهال الخيرات والرعايات الإلهية على العبد فقد قال الإمام الصادق ع:"من أراد الله به الخير قذف في قلبه حب الحسين ع وحب زيارته" #كامل_الزيارات ، وحبه للحسين ع هو الحصن الذي سيبعده عن الذنوب والمعاصي.
"أجمل" خطوة هي رحلة العلاج، حيثُ أن المهمة في هذه المرحلة ستكون في تليين القلب بعد قساوته وإحيائه بعد مماته ليطمئن ويستقر، فكيف يُحيى هذا القلب ويلين ومن ثم يستقر؟
لكي تسهل عملية علاجه، ولا يقتصر الذكر على القرآن الكريم بل إن أحاديث أهل البيت عليهم السلام ومناقبهم وفضائلهم وحكمهم ومواعظهم بل حتى أسماءهم تعتبر من الأذكار حيث أنه الإمام جعفر بن محمد الصادق ع:"إنا إذا ذُكرنا ذكر الله" #بحار_الأنوار ، فعندما نذكرهم نذكر الله عز وجل ونكونُ بذلك تحت ظل "الذكر" وقد قال الإمام محمد الباقر ع:"إن حديثنا يُحيي القلوب" #بحار_الأنوار ، وهكذا يستقر القلب ويهدأ ليطمئن ويحيى، لتعودَ لنا دموعنا الغالية على حبيبنا الإمام الحسين عليه السلام التي ستجمعنا مع أهل البيت عليهم في الآخرة وهذا ما ضمنهُ لنا الإمام الضامن الرضا ع في قوله:" من تذكر مصابنا فبكى لما ارتُكبَ منا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة" #آمالي_الصدوق.
وفي الختام أسأل من الله عز وجل أن لا يحرمنا من البكاء على الحسين عليه السلام ولا يسلب منا الحرقة على مصابه، ويوفقنا لخدمته ويرزقنا الإخلاص في خدمته ويبعدنا عن النفاق والرياء فيها، وأسأله أن يرزقنا زيارته في الدنيا وشفاته في الآخره ويحشرنا معه بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين.
بقلم العبد الذليل #أحمد_صديق