Tuesday, 26 January 2016

الماضي المظلم والمستقبل المؤلم - مقالة


| لا تجعل الماضي المظلم يصنعُ مستقبلاً مؤلم |

اليَأس مرحلةٌ لا يصلها إلا ضعيف الإيمان بالله عز وجل والبعيد عن الإمام الحسين عليه السلام، وعادة ما يكون سببها هو تثاقل الذنوب والمعاصي على ظهر النفس اللوامة فحيثُ تصبح مدفونةً تحت هذه الذنوب، فيصبح تأثيرها ضعيفًا وقد يكون معدومًا، وبالمقابل تقوى النفس الأمارة بالسوء التي تشجع على طاعة اللعين إبليس، فلا يجد هذا العبد حلاًّ لعُقدته مع الذنوب! ولا يحدّث نفسه إلا بالإحباط ولا يرى أمامه إلا ذنوبه السابقة مُعتقدًا بأنها لن تُغفر بسبب عظمتها وكثرتها.

وكل هذه الأمور مجرد أوهام خادعة وسراب كاذب، فعندما نتأمل قليلاً ونصنع في مخيّلتنا بابًا [للتوبة] والواقف على هذا الباب هو الحبيب المولى الحسين عليه السلام، فهل من الممكن أن يعتقد العبد بأن المولى الحسين ع يُغلق هذا الباب!؟ وما نعرفه بأنه هو الكريم الذي لا يردُّ سائلاً قط! وهو من يأخذ بأيدينا إلى الله عز وجل ليغفر لنا ما تقدم من ذنبنا وما تأخر، لنسلك معه وبقيادته طريق الهداية، لأنه صلواتُ الله عليه هو "مصباح الهُدى" و [سفينة النجاة]، التي ينجو من ركبها فلماذا كل هذا اليأس مادام هذا الأب الرحيم الكريم العظيم موجود!؟

ولو تحدّثنا عن الماضي المؤلم المليء بالذنوب وكيف لنا أن نخدم الحسين عليه السلام ونُسَمّى أمامَ الناس بـ"خدام الحسين" ونحن بماضيّنا لا نملك إلا وجهًا أسود اللون بسبب ما اقترفناه!! فستكون الإجابة بكل بساطة "أين كان الحُر بن يزيد الرياحي وأين أصبح!؟"، فالحُر لم يقترف "أي ذنب وحسب"! بل أعظم الذنوب وهي محاربة خليفة الله في أرضه وابن بنت نبيّه، ولم يكتفي بذلك بل استمر وأدخل الرعب في قلب نسائه، فهل هناك ماضي أكثر ظلمةً من هذا الماضي!؟ ولكنه خلال لحظات فقط، استغلّ ضميره التي تحرك وركض إلى الحُسين عليه السلام ليُقبّل ما بين رجليه ليطلب العفو والمعذرة مُعلِنًا توبته تحت رجل مولاه، فهل كان جواب الحسين عليه السلام قبلتكَ وانتهى؟ وهو الأب الرحيم وأبو العِباد المُلقّب بأبي عبدالله، وهو مصباحُ الهدى للعالمين؟ بالطبع لا، فلمن يكتفي الإمام بالعفو عنه، بل بإهدائه أعظم هدية، فكانت جائزة الحُر هو أن يكون أول شهيد في جيش الحسين عليه السلام بعد إعلانه لتوبته.

ولو تحدثنا عن الشهم الشجاع الفارس "وَهَب المسيحي" الذي لم يصلي ولم يحج ولم يُزكي على الإطلاق، وأعلنَ إسلامه بين يدي إمامه الحسين عليه السلام، وحارب فورًا وقُتل هو وأمه وكان مثواه الجنة وجائزته هي نيل أعلى الدرجات لنصرته للمولى الحبيب الحسين عليه السلام، فلو جعلنا للماضي تأثيرًا وجعلنا الحُر من المتراجعين بسبب ماضيّه ووهب بسبب دينه المسيحي، لخالفنا قول الإمام الصادق عليه السلام إذ أنه في زيارته لجده الحسين عليه السلام وأنصاره لا يكتفي بفداء نفسه فقط! بل يقول "بأبي أنتم وأمي" لهؤلاء الأنصار! ولخالفنا أيضًا الإمام الحسين عليه السلام نفسه حينما أعطى شهادة التقدير لأنصاره وقال "لا أصحاب كأصحابي".

نعم، هذا هو الحسين عليه السلام وهكذا ما يحصل عليه كل من يأتيه سائلاً العفو ليتوب إلى الله عز وجل بين يدي إمامه، فلا تجعل ماضيكَ يصنع حاجزًا بينك وبين خدمة حبيبك الحسين عليه السلام بسبب خوفك من ذنوبك وخوفك من هجوم الناس عليك لأنهم لن يتقبلوا ماضيك، واجعل الحُر نُصب عينيك، وانسى الماضي وتوجه إلى كربلاء وقلها بقلبٍ صادق "العفو ياحسين" ثم ارفع رأسك ويدك إلى السماء واهتف [إلهي بالحسين .. تُب علي]، وابدأ صفحة جديدة في حياتك عنوانها [ح س ي ن]، وتعلم من ماضيك المظلم وحوله بالدمعة والاعتذار والتوبة والحُب إلى نورٍ يُشرق لك المستقبل في خِدمة المولى الحبيب الحُسين عليه السلام.

ولا تنساني من دعائك إن تحرّكَ قلبك..
العبد الذليل لساداته / أحمد صِدّيق